أم ريتال تروي قصة ايام سيطرة تنظيم داعش

في شهر سبتمبر ,2022 ألتقيت بأحد الأخوات (ام ريتال) و نقلت عنها هذا القصة .

 

أم ريتال  تروي  قصة  ايام سيطرة تنظيم داعش  ..

ام ريتال من  عائلة تتكون  من خمسة أخوات وأب وأم ،  الاب أحدى جرحى الحرب الإيرانية العراقية، وشقيقان معقان ، ووالدة  عجوز كبيرة في السن مصابة بالامراض المزمنة ، وأختها  الكبيرة معاقة بفقدان كلتا يديها منذ الولادة ، والأخرى لم تكمل دراستها لتساعد أمي في شؤون البيت .

هذه العائلة التي وضعها الصحي بحد ذاته قصة كبيرة – الاطلاع على صفحات من حياتها في تلك الفترة -  فترة سيطرة تنظيم داعش على الموصل -  صفحة  اخرى تروي من خلالها ام ريتال واقع حياتها قائلة : كانت أختاي المعاقتان بحاجة إلى رعاية خاصة ، وأختي الرابعة متزوجة، والأخرى لم تكمل دراستها لنفس الغرض وهو مساعدة والدتي في أعمال البيت ورعاية أختَي المعاقتين ، وبسبب أوضاع البلد المتدهورة ، وأنا كنت في المرحلة الثانية من الكلية قبل دخول تنظيم داعش، وأثناء سيطرة  تنظيم داعش لمناطقنا،  قررنا ترك المنطقة  خوفاً من بطشهم.

تضيف ام ريتال :     تهجرنا  بسبب هويتنا العقادئية كوننا من المكون الشبكي وفي قلوبنا حسرات على بيتنا الجميل الذي كنا نسكن فيه، حتى مع وضع  العائلة واعداد الذين بحاجة إلى الرعاية، إلا أننا كنا سعيدين، فرحين، بقينا في أماكن النزوح وكسر عكاز أبي وكنا بحاجة إلى من نتعكز إليه في وقت الشدة، إلى ولي أمر ينظر إلينا، و يا حسرة لم نجد ، بقينا على تلك الحالة شهور حتى ضقنا ذرعاً من تلك الوضعية فقررنا العودة إلى بيتنا .

 

وبعد فترة وجيزة   من دخول التنظيم الإرهابي إلى الموصل و الناس هرعت للخروج ونحن لم نكن نعلم أي خبر عن ما يحدث حولنا، حتى بلغنا الخبر في آخر الليل، فخرجنا في الساعة الثانية ليلاً ولا يوجد أي أحد في المنطقة ولا يُسمع إلا صوت المدافع والانفجارات، ولم يكن هناك من يساعدنا ويسندنا، ونحن نمشي في الشارع ونحمل اختي المعاقة، وبدأنا نصيح في القرية باحثين عن أحد يساعدنا وليس هنالك أحد ودموع العين تتساقط كأمطار صيف من حرارتها ، كنت أحس بأنها تحرق الجلد مع نزولها، حتى وصلنا إلى نقطة تفتيش للجيش العراقي وساعدونا، وبقينا في القرية التي وصلنا إليها خمسة أيام، ولم نحتمل مرة أخرى فعدنا أدراجنا إلى سقف بيتنا الحنون، وأقاربنا كلهم خارج المدينة، استمر ظلم داعش لأربع سنوات وانقطعت عنا أبسط الخدمات من الماء والكهرباء والأدوية والمواد الغذائية والمواد المحروقة والغاز .

 

وتصف ام ريتال الوضع الذي كانوا عليه في ظل فترة سيطرة تنظيم داعش بالقول :     أختي الكبيرة تدهورت صحتها من الضغط النفسي وصار عندها مرض مزمن في المعدة وإلى الآن لم نجد من دواء لها يخفف عنها وطأة المرض، وأختي المشلولة صار عندها مرض في القلب فزاد الطين بلة، وأبي صارت عنده حالة نفسية بسبب الخوف من تنظيم داعش وبطشهم . ..

تسرد ام ريتال بعضا  من مواقف الخوف قائلة : في يوم من الأيام كانت هناك مجموعة من  عناصر داعش  تفتش بحثاً عن بطاقات سيم كرت في المنازل، فسمعنا طرق الباب وإذا بهم يدخلون ليفتشوا البيت بحثاً أصبحنا في خوف منهم لأنهم كانوا يسوقون البنات معهم جبرا . فتشوا البيت ولم يجدوا شيئاً ، فصُدمنا بأنهم يقتادون أبي  معهم ، فبدأ بكاؤنا وعويلنا وتوسلنا إليهم بأن يتركوا أبي الشيخ العجوز الطاعن في السن ، إلا أنهم ضربوا توسلنا عرض الحائط..

وتضيف : أخذوا يدفعونا ويضربونا لأننا تمسكنا برداء والدي ، أخذوا والدي ولم يبقَ سوى مجموعة من النساء في بيت لا عمود فيه، ولم تكن بيدنا حيلة سوى الدعاء من الله سبحانه وتعالى  ليحفظ والدنا  وفي أثناء سجن أبي تدهورت صحة أختي الكبيرة ولم يكن لنا معين ، أهالي المنطقة نقلوا أختي وأمي إلى المستشفى ، وبقينا أنا وأختي المعاقة في البيت ، أما أختي الأخرى فقدت الوعي لمدة يومين من شدة الهلع والخوف لكنها تحسنت بعد ذلك بعد عودة والدي .

 تضيف - بقي والدي سجين عندهم لمدة خمسة عشر يوماً ،  حسبما قال لنا  تعرض الى التعذيب من دون أي سبب  وحصلت مفاجئة سارة " رجع الغالي " إلى البيت  وكأن النور حل في البيت من بعد الظلام ، كانت فرحتنا لا توصف بعودة الغالي ،

اشارت ام ريتال الى الايام الصعبة  التي مرت عليهم بالقول  : مرت ايام صعبة بسبب صعوبة الحصول على الطعام او حتى احيانا مياه الشرب،  نسينا طعم اللحوم ، ومن قلة التغذية أصبحنا جميعاً نعاني من فقر الدم والكالسيوم والحديد . والمحروقات انعدمت نهائياً حتى إننا أُجبرنا أن نحرق الحطب والأغطية في داخل الغرف لنتدفأ ، ومن جراء ذلك التهبت صدورنا من الدخان المتطاير في الغرفة . كل يومٍ نعيشه وكأنه سنة تمر علينا . وأختي الكبيرة المشلولة لم يكن عندنا مقدرة على شراء الأدوية ومستلزمات الصحية ، ووالدتي كانت تعاني من الكثير من الأمراض وأيضاً لم نكن نملك القدرة في شراء الأدوية والعلاجات لها ، فأصيبت بالتهاب مزمن في البلعوم ؛ مما اضطررنا بعدها إلى إجراء عملية جراحية ، لكننا لم نكن مالاً وفيراً مما أُجبرنا إلى جمع المال من الناس لإجراء العملية.

اشارت ام ريتال : في أثناء دخولنا إلى المستشفى رآني أحد  عناصر دواعش وعيناي ظاهرتان ، فحاسبني على ذلك بحجة أن عيني ظاهرتين للعلن خلف النقاب ، وأخذ منا غرامة قدرها خمسين ألف دينار سددتها من الأموال  التي جمعتها لعملية أختي ، ولم يكتفوا بهذا ؛ بل اقتادوا والدي وضربوه لأن عيني كانتا ظاهرتين .

هذه المواقف  بقت راسخة في ذاكرة ام ريتال التي تضيف :  رجعنا إلى البيت وأختي المريضة تحتاج إلى أدوية وعلاجات حتى تشفى ولكن لم نملك أي فلس في البيت لنشتري الدواء لأختي ، حتى أجبرني القهر والفقر على طرق أبواب الناس لجمع المال لعلاج أختي . ثم بعدها بعنا أثاث بيتنا ، آخر الأيام لم يبقَ أي مادة  نستخدمها للدفء  فقمنا بجمع ما في  في الشارع من خشب وحطب وغيرها لنصنع الخبز ، فقمنا بحرق خزانة الملابس لإعداد شعلة خبز ، وشعلة أخرى للطبخ ...  حتى القليل من مادة النفط التي بقت بحوزتنا علم بها عناصر التنظيم في المنطقة فجاؤا  وصادروها ...!

 

و تضيف ام ريتال   باقي اجزاء قصتها بالقول  : مع بدء عملية التحرير علموا عناصر التنظيم بأن التحرير قد اقتربت قاموا بجعلنا دروع بشرية ، وزرعوا عبوات في رأس الشارع ، واقتلعوا أبواب المنزل ، وعندما دخل الجيش وانسحاب التنظيم بعد اندحارهم ، الجيش أجبرنا على الخروج من البيت ، فتوسلنا منهم في البقاء البيت لأننا نملك معاقين في البيت ، لكنهم رفضوا ، فخرجنا في منتصف الليل وأمي نظرها ضعيف واختاي معاقتين وأبي  في حالتها الصعبة ، وفي طريق الخروج أصبتُ بطلق ناري ، فنقلوني إلى مستشفى وأهلي نقلوا إلى مخيم للنازحين، كانت من أقسى الأيام التي واجهتها في حياتي ، أنا من جهة مصابة برصاصة وأهلي من جهة أخرى العوز والفقر والفاقة قد أنهكتهم ، و الخبر  الاسوء وصلنا  بأن بيتنا والحنان الذي كان يعطيه لنا  قد طالته ألسنة النيران وتضرر  .

لكن  تقول ام ريتال : الله لم يبخل من فضله فكان الفضل الأكبر هو اندحار التنظيم الإرهابي ، اندحار داعش الظالم ، لكن آثارتلك الفترة  لا زالت فينا ظاهرة ،  فأختي المعاقة لا زالت لا تأكل سوى  الخبز مع الشاي والقليل من الشوربة ، ووالداي الآن هما في حالة نفسية منهكة ، وأختي المشلولة عندها مرض في القلب وكل شهر نشتري لها علاج يجعلنا نفرح في النفس الذي تعطره في البيت .

 واضافت  هذه المواقف التي عشناها في فترة سيطرة تنظيم داعش   رأتنا القهر والهم والظلم والخبث و شاهدنا بعيوننا الاعمال غير الانسانية ولم يكن بمقدورنا ان نفعل شيئا  .

 

الناقل / وائل حسن الشبكي

 

الاشراف / سلام الروزبياني

 

هل استمتعت بهذا القصة؟ ابق على اطلاع من خلال الانضمام إلى النشرة الإخبارية لدينا! سوف يصلك كل القصص عبر البريد الالكتروني

تعليقات

يجب أن تكون مسجلا للدخول لتكتب تعليق.

قصص ذات صلة
مايو ١٨, ٢٠٢٣, ٢:٠٨ م - وائل حسن الشبكي
مايو ١٨, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ م - وائل حسن الشبكي
مايو ١٨, ٢٠٢٣, ٢:٠٠ م - وائل حسن الشبكي
مايو ١٨, ٢٠٢٣, ١:٥١ م - وائل حسن الشبكي
مايو ١٨, ٢٠٢٣, ١:٤٥ م - وائل حسن الشبكي
مايو ١٨, ٢٠٢٣, ١:٣٢ م - وائل حسن الشبكي
Recent Articles
مايو ١٨, ٢٠٢٣, ٢:٠٨ م وائل حسن الشبكي
مايو ١٨, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ م وائل حسن الشبكي
مايو ١٨, ٢٠٢٣, ٢:٠٠ م وائل حسن الشبكي
مايو ١٨, ٢٠٢٣, ١:٥١ م وائل حسن الشبكي
مايو ١٨, ٢٠٢٣, ١:٤٥ م وائل حسن الشبكي